الجُزْءُ الثَالِث: مِنْ نُزُول الوَحْي حَتَى الهِجْرَة (مَرْحَلَة الدَعْوَة المَكِيَة)
الفصل التاسع والثلاثون
*********************************
"قريش" تحارب الإسلام
جهر الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالدعوة، وبدأت أعداد المؤمنين تزداد، واستشعرت قريش الخطر، فبدأت تهاجم الاسلام، وتهاجم أساسيات العقيدة الاسلامية، فهاجمت فكرة التوحيد نفسها، وهي أصل رسالة الاسلام، يقول تعالى: أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ
وهاجمت قريش فكرة البعث، يقول تعالى
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ
وبدأت قريش تدعي أن هذا القرآن قد قام بتأليفه الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمشاركة مجموعة من الناس إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ * وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلا
وكان الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يجلس يتحدث الى غلام نصراني من الروم ويدعوه الى الاسلام، فكان أهل مكة يقولون أن هذا الغلام النصراني الرومي هو الذي يعلم الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- القرآن فنزل قول الله تعالى ((وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ)) "وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ" هذا الغلام النصراني الرومي "لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ" يعنى يشيرون اليه " أَعْجَمِيٌّ" يعنى لا يتكلم العربية الا بصعوبة وكلمات قليلة جدًا "وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ" وهذا القرآن نزل بأفصح ما يكون من العربية
وكانت قريش اذا قرأ الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- القرآن بصوت مرتفع تشوش عليه حتى لا يتدبر أحد القرآن، ولا حتى يستمع اليه، فيتأثر به ويكون ذلك سببًا في اسلامه، يقول تعالى ((وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لهذا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ)) يعنى احتمال أن تكون لكم الغلبة ان فعلتم هذا
*********************************
طلاق ابنتى الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
من أساليب قريش التى لجأت اليها مبكرًا في محاربة لرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هي محاولة شغل الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالمشاكل الحياتية، فطلب "أبو لهب" من ابنيه "عتبة" وعتيبة" أن يطلقا ابنتى الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "رقية" و"أم كلثوم" وقال لهما: اشغلوا محمداً بنفسه، وفي البداية رفضا "عتبة" و"عتيبة" لأنه لم يكن في قريش كلها من في شرف وحسن خلق وجمال ابنتى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولكن "أبو لهب" وزوجته "أم جميل" ضغطا على "عتبة" و"عتيبة" وقال لهما "أبو لهب"
- رأسي من رأسيكما حرام إن لم تفارقا ابنتي محمد
يعنى لن أنظر في وجوهكما ان لم تطلقا رقية وأم كلثوم
قاال ابو لهب راي من راسيكما حرام ان لم تفارقا ابنتي محمد
طبعًا كان هذا من رحمة الله تعالى برقية وبأم كلثوم وبالرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبالمناسبة فان "عتبة" أسلم في عام الفتح، ولكن "عتيبة" مات على الكفر، ودعك من "عتيبة" الذي مات على الكفر، ولكن أنظر الى "عتبة بن ابي لهب" كيف أن ظلمه وضعف شخصيته في هذا الموقف أضاع عليه فرصة عظيمة جدًا وهو أن يكون زوج لإبنة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فاياك أن تكون ضعيف الشخصية في أي موقف من مواقف حياتك، لأنك أنت الذي ستدفع ثمن ضعف شخصيتك
كان طلاق "رقية" و"أم كلثوم" فيه ايذاء شديد للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأن كل أب يحلم بهذا اليوم الذي يزوج فيه بناته، ويكون من أسوأ ما يمر به الأب أن تعود ابنته الى بيته وهي تحمل لقب مطلقة، فاذا طُلِقَت ابنتى الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في وقت واحد، ويكون الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو السبب في هذا الطلاق، فلا شك أن ذلك آذي الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جدًا، وآذي أيضًا ولا شك أمنا خديجة –رضى الله عنها-
لم تكتف قريش بذلك بل أرادت أن تطلق ابنة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الكبيرة السيدة "زينب" من زوجها فذهبوا الى "أبو العاص بن الربيع" وطلبوا منه أن يطلق زوجته "زينب" بنت الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعرضوا عليه أن يزوجوه بدلًا منها أي فتاة في قريش يختارها، وقالوا له: فارق صاحبتك ونحن نزوجك بأي امرأة من قريش شئت، ولكن "أبو العاص بن الربيع" رفض هذا العرض بشدة، لأنه كان يحب زوجته السيدة زينب حبًا شديدًا، ، وقال لهم: لا والله لا أفارق صاحبتي، وما أحب أن لي بامرأتي امرأة من قريش
زواج رقية من عثمان
وبعد أن طلق "عتبة" و"عتيبة" "رقية" و"أم كلثوم" تزوج "عثمان بن عفان" من السيدة "رقية" وقد كان "عثمان" يريد زواج "رقية" قبل زواجها من "عتبة" وكان قد تأسف عندما علم بزواجها من ابن عمها "عتبة" فلما علم بطلاقها أسرع وطلب زواجها من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وكانت السيدة "رقية" ذات جمال، وكذلك "عثمان بن عفان" معروفًا بجماله، حتى انتشر بين قريش أنها تقول: أحسن زوجين رآهما إنسان رقية وزوجها عثمان
*********************************
حكايات "النضر بن الحارث"
من الأساليب التى اتبعتها قريش في محاربة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه كان في قريش رجل اسمه "النضر بن الحارث" وكان يعلم الكثير من حكايات وأساطير الفرس، وكان مشهورًا عند الفرس قصص رستم واسفنديار، وهي حكايات شعبية مثل حكايات السيرة الهلالية عندنا، وقد تعلم "النضر بن الحارث" هذه الحكايات من رحلاته التجارية الى منطقة الحيرة، وهي الموجودة الآن في جنوب العراق، فكان يجلس الى الناس ويقص عليهم هذه الحكايات ، حتى يصرف الناس عن الإستماع الى الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والى القرآن العظيم
وكان اذا جلس الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مجلسًا جادًا وتحدث عن البعث والحساب والجنة والنار، يجلس "النضر بن الحارث" ويقول أنا واللّه يا معشر قريش أحسن حديثا منه فهلم إلىّ، ولم يكتف بذلك بل أحضر راقصات ومطربات حتى يصرف الناس عن الجلوس الى الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
كان النضر يجلس الى الناس يقص حكايات ليصرف الناس عن سماع القران
وللأسف ما كان يفعله "النضر بن الحارث" قديمًا، هو ما يفعله أهل الضلال الآن، ففي شهر رمضان من كل عام، وهو شهر الصلاة والقيام والقرآن والأعمال الصالحة، تتكدس الأعمال الفنية الملهية، ويستعد أهل الضلال لهذا الشهر طوال العام
واذا لم يوافقنى أحد على هذا فليقل لي منا علاقة رمضان بهذا التكدس للأعمال الفنية في رمضان
*********************************
محاولة "حسد" الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (!)
من الأساليب العجيبة للكفار أنهم فكروا أن يصيبوا الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالعين، يعنى أن يحسدوه فيصيبه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من حسدهم الشر، فكان كفار قريش ينظرون الى الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ويقولن: ما رأينا مثله، ومارأينا مثل جماله، وما رأينا مثل حججه
وكان هناك رجلًا من قريش معروفًا بالعين والحسد، حتى يقال أنه اذا نظر الى بقرية سمينة أو ناقة سمينة وحسدها، يقول الرجل لجاريته خذي درهم وأتينا بلحم من هذه، فما تسير البقرة أوالناقة قليلًا حتى تقع بالموت فتنحر، فسألوا هذا الرجل أن يصيب الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعينه
ولكن الله تعالى عصم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من العين والحسد، يقول تعالى ))وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ ((لَيُزْلِقُونَكَ يعنى يقتلونك لأن العرب تقول زلق السهم يعنى نفذ السهم، فالمعنى أنهم كادوا ينفذون في جسدك بأبصارهم من شدة الحسد فيقتلونك بذلك
*********************************
محاولة تشويه صورة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بدأت قريش كذلك تحاول تشويه صورة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ويشيعون عليه أنه مجنون، وقالوا أنه ساحر، وقالوا انه كاهن، مع أنهم كانوا يلقبونه قبل البعثة بالصادق الأمين
فكان الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اذا مر من طريق يشيرون اليه ويقولون: هذا هو المجنون، هذا هو الساحر، هذا هو الكاهن
اشاعت قريش علي الرسول انه مجنون وانه شاحر وانه كاهن
وكان هذا بقصد أولًا صرف الناس عن الدعوة، وأيضًا لمحاولة الضغط النفسي على الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
*********************************
ألا تنام يا رسول الله ؟
كل هذه الضغوط مر بها الرسول