الجُزْءُ الثَالِث: مِنْ نُزُول الوَحْي حَتَى الهِجْرَة (مَرْحَلَة الدَعْوَة المَكِيَة)
الفصل الثامن والثلاثون
*********************************
لماذا رفضت "قريش" الإسلام ؟
انتهينا حين نزل الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من على جبل الصفا، وانصرف الناس، وأصبح الحديث عن الاسلام وعن الرسول-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو حديث كل أهل مكة
وبدأ الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فور أن جهر بالدعوة، يدعو أهل قريش علانية، فبدأ يدعوهم في تجمعاتهم وفي الأسواق وفي كل مكان، وبدأ يصلى أمام الناس عند الكعبة، وكان يرفع صوته بقراءة القرآن، حتى تسمع قريش القرآن العظيم، والعرب أهل لغة، فكانوا اذا سمعوا القرآن أدركوا أنه ليس من عند رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وانما من عند الله وبدأت أعداد المؤمنين تزداد
لماذا رفضت "قريش" الإسلام ؟
وانتبهت قريش مبكرًا جدًا الى خطورة الدعوة الاسلامية عليها
فلماذا اعتبرت "قريش" أن الإسلام خطرًا عليها ؟
أولًا: الخوف على المصالح المادية
لأن الاسلام جاء بوحدانية عبادة الله تعالى، ونبذ عبادة الأصنام، والقبائل العربية كلها تعبد الأصنام، وكل قبيلة لها الصنم الخاص بها عند الكعبة، لذلك كان عدد الأصنام المنصوبة حول الكعبة 360 صنم، بعدد القبائل العربية، وتأتي جميع القبائل لتحج في موسم الحج، وتعبد أصنامها المنصوبة حول الكعبة، ولذلك قوافل قريش التجارية سواء المتجهة الى الشام، أو المتجهة الى اليمن، أو الى أي مكان في الجزيرة العربية هي القوافل الوحيدة في الجزيرة التى لا تتعرض لها أي قبيلة أخري، ولذلك قال تعالى (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ (
كان عدد الاصنام حول الكعبة 360 صنم بعدد القابائل العربية
فاذا جاء الاسلام ورفض عبادة الأصنام، فهذا يعنى معادات كل القبائل العربية، وأن تتحول جميع القبائل العربية بدلًا من حماية قوافل قريش الى منع ومحاربة قوافل قريش، وهذا معناه توقف قوافل قريش التجارية تمامًا، والتجارة هو العمل الوحيد لسادة قريش، ومصدر أموالهم وثرواتهم الطائلة، ولذلك كان أول رد لأبو لهب عندما عرض الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الإسلام عليه وعلى عمومته قال له "ليس لقومك بالعرب قاطبة طاقة" ثم قال له "ما رأيت أحدًا جاء على بنى أبيه بشر مما جئت به"
وهكذا كان خوف قريش على مصالحهم المادية، هو أهم أسباب رفض قريش للإسلام
خوف قريش على تجارتها هو اهم اسباب رفض قريش للاسلام
ثانيًا: القبلية
من أهم الأسباب أيضُا القبلية، فقريش كما قلنا مجموعة من "البطون"، والرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من بنى عبد مناف، فكان من أسباب رفض بطون قريش للإسلام، أن لا تكون تبعًا لرجل من "عبد مناف"
لذلك قال "عمرو بن هشام" (أبو جهل) : والله إني لأعلم أنه لَنبيٌّ، ولكن متى كنا لبني عبد مناف تبعًا ؟
والله انى لاعلم انه لنبي ولكن متى كنا لبني عبد مناف تبعا؟
وتجد "الأخنس بن شريق" سيد بنى زهرة يخلو بعمرو بن هشام –أبو جهل- ويقول له: أتري محمدًا يكذب ؟ فقال له أبو جهل: ما كذب قط، وكنا نسميه الصادق الأمين، ولكن تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف، أطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا، حتى إذا تحاذينا على الركب وكنا كفرسي رهان، قالوا: منا نبي يأتيه الوحي من السماء، فمتى ندرك هذه؟! والله لا نؤمن به أبداً ولا نصدقه
الخوف على الشهوات والملذات
وكان هناك في مكة ايضًا من يخاف على شهواته وملذاته، لأن الاسلام يدعو الى الفضيلة والى مكارم الأخلاق، ويدعو الى البعد عن المعاصي، والبعد عن الزنا والإباحية والفساد والظلم، فهؤلاء الذين يعبدون الأصنام يشبعون حاجتهم الطبيعية الفطرية ان يكون له دين، وفي نفس الوقت هذه الأصنام لا تطلب منهم شيئًا ولا تنهاهم عن أي شيء
**********
هذه الموانع التى ذكرناها وكانت موجودة في أهل مكة، لا تزال موجودة الآن وتمنع كثير من الناس من الإلتحاق بالدعوات الاصلاحية:
- الخوف على المصالح المادية
- العنصرية، والكِبْر
- عدم الرغبة في الالتزام بمتطلبات الدين
لذلك كان قرار قريش فور أن أعلن الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الاسلام هو محاربة الاسلام ومحاربة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ودعوته