سلسلة قصص الحيوان فى القرآن (قصة هدهد سليمان)




  •  

    روى ابن عباس أنّ هدهد سليمان -عليه السلام- كان مهندساً يعرف مكان الماء في داخل الأرض الفلاة*، وهو يعلم كم المسافة التي يبعدها عن وجه الأرض، وذات يوم نزل سليمان -عليه السلام- بأرض فلاة؛ فأراد الهدهد، وتفقّد الطير فلم يره فتوعّده بالعذاب الشديد إن لم يأته بعذر يوضح غيبته قال -تعالى-: (وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ * لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ)،[٣٨] فقَدِم الهدهد بعد زمن يسير وأخبر سليمان -عليه السلام- بمجيئه بخبر يقين لا شكّ فيه من اليمن لم يطّلع عليه هو وجنده قال -تعالى-: (فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ)،[٣٩] فأخبره عن امرأة قد أوتيت الكثير من متاع الدنيا، وكان لديها ألف فيل تحت كل فيل مائة ألف مقاتل، وبلغ عدد مستشاريها ثلاثمئة واثني عشر رجلاً، وكان عرشها عظيماً مُزخرفاً بالذهب والجواهر، وكانت تملك كل ما يحتاج إليه الملك المُتمكّن، وقد كان اسم هذه المرأة بلقيس، قال -تعالى- : (إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ).[٤٠][٤١] وقد كان الهدهد مُتعجّباً من حال أهل سبأ؛ فقد صرفوا العبادة لغير الله -تعالى- ولم يشكروه على نعمه الكثيرة التي منّ بها عليهم، قال -تعالى- في قول الهدهد: (وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّـهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ)،[٤٢] وقد أكمل -تعالى- الآيات داعياً إلى عبادة الله -تعالى- وحده والسجود له، فهو يعلم كل خبيئة في السماء والأرض، وهو الذي يرزق العباد، ويعلم ما يُسرّون وما يُعلنون من الأقوال والأفعال، فهو لا إله غيره ولا مخلوق أعظم منه فهو رب العرش العظيم، قال -تعالى-: (أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّـهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ * اللَّـهُ لَا إِلَـهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ)،[٤٣] ولأنّ الهدهد كان داعياً إلى توحيد الله -تعالى- فقد نهى رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- عن قتله فقد روى النووي عن ابن عباس -رضي الله عنه- أنّه قال: (إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتلِ أربعٍ من الدوابّ : النملةُ ، والنحلةُ ، والهُدْهُدْ ، والصردُ)،[٤٤] ومن فوائد هذه القصة ما يأتي:[٤٥] الأنبياء لا يعلمون الغيب: كان لسليمان -عليه السلام- الملك العظيم والتمكين الذي أيّده الله -تعالى- به، وبالرغم من ذلك لم يكن على علم بحال بلقيس وقومها حتّى مع قرب المسافة بينهم، ولم يعلم ذلك حتّى أطلعه الهدهد عليه، وفي هذا إشارة على أنّ الأنبياء لا يعلمون الغيب؛ فحالهم كحال الملائكة في ذلك، قال -تعالى-: (لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا)،[٤٦] وقد يكون إخفاء الله -تعالى- أمرهم عن سليمان لمصلحة لا يعلمها إلا هو. الحكمة ضالة المؤمن: يتعلم الكبير من الصغير أحياناً ولا بأس في ذلك، وقد يتعلّم العالم من المتعلّم إن كان مُتيقّناً من صحّة خبره وعلمه؛ فقد أحاط الهدهد بالرغم من صغره بخبر لم يُحط به سليمان -عليه السلام-؛ فالحقّ لا بدّ من كونه مقبولاً بغض النظر عمّن جاء به. لا ينسى المؤمن دينه أمام زخرف الدنيا وزينتها: رأى الهدهد المُلك العظيم والزخارف والنقوش الماديّة لملكة سبأ، ولم يفتنه ذلك عن واجب العبوديّة، وقد تعجّب من كفرها وكفر قومها، وحال الهدهد حال كل مؤمن قد علم الغاية من خلقه، وأيقن زوال الدنيا ومتاعها؛ إذ قال -تعالى-: (يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَـذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ).[٤٧] يقبل الإمام عذر رعيته ويدرأ به العقوبة عنهم: سمع سليمان -عليه السلام- خبر ملكة سبأ وقومها من الهدهد، وأراد التثبت من الخبر؛ إذ لا تُنفّذ العقوبة ما لم تَثبت التُهمة، ومعرفة ما إذا كان الهدهد يكذب لِيدفع العقوبة عنه، أو أنّه صادقٌ في دعواه فيكون عذره سبباً في نجاته، قال -تعالى-: (قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ)،[٤٨] وعندما تحقّق سليمان -عليه السلام- من صدق خبر الهدهد أصبح صدقه عذراً أنجاه من العقوبة. تفقّد الإمام أحوال رعيته: كان سليمان -عليه السلام- مُتابعاً لأحوال رعيّته ويظهر ذلك بتفقّده للطير؛ إذ إنّ كثرة إنشغاله لم تمنعه من معرفة حال الهدهد بالرغم من صغره.[

     

  • Facebook Twitter Google+


© Copyright 2015 Algazaly association powered by TD.COM.EG