الإيثار أن تؤثر غيرك على نفسك، وتعطيه ما لم تعط نفسك ولقد مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم أروع مثل في الإيثار والتضحية والفداء، وكذا صحابته العظماء الذين تجلت فيهم القيم النبيلة والآثار الحميدة النابعة من صدق في الإيمان
، فهي نصغي بتأمل إلى ما في هذا الباب. قال: [ من أخلاق المسلم ] المسلم الذي أسلم قلبه ووجهه لله، وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ [النساء:125]
الإيثار للغير على النفس وحبها الخير [ فالمسلم متى رأى محلاً للإيثار آثر غيره على نفسه ] أي: فضل غيره على نفسه [ وفضله عليها، فقد يجوع ليشبع غيره، ويعطش ليروى سواه، بل قد يموت في سبيل حياة آخرين، وما ذلك ببعيد ولا غريب على مسلم تشبعت روحه بمعاني الكمال، وانطبعت نفسه بطابع الخير وحب الفضيلة والجميل.. تلك هي صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة؟والمسلم في إيثاره وحبه للخير ناهج نهج الصالحين السابقين، وضارب في درب الأولين الفائزين الذين قال الله تعالى فيهم في ثنائه عليهم: وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر:9]
إن كل خلائق المسلم الفاضلة، وكل خصاله الحميدة الجميلة، إنما هي مستقاة ] أي: مأخوذة [ من ينابيع الحكمة المحمدية، أو مستوحاة من فيوضات الرحمة الإلهية، فعلى مثل قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم المتفق عليه: ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) ] أي: لا يبلغ أحدكم درجة الإيمان حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه [ تزداد ] لما يسمع هذا الحديث ويقرأ تزداد [أخلاق المسلم سمواً وعلواً. وعلى مثل قول الله تعالى: وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر:9] كان شعور المسلم بحب الخير والرغبة في الإيثار على النفس والأهل والولد يزداد قوة ونمواً ] إذا سمع هذا الحديث وقرأ هذه الآية، فـ [ إن عبداً كالمسلم يعيش موصولاً بالله، لسانه لا يفتأ رطباً بذكره، وقلبه لا يبرح عاكفاً على حبه، إن سرح في ملكوت النظر جنى العبر، وإن أورد الخاطر على مثل آيات المزمل وفاطر: وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوه عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا [المزمل:20]،
وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ [فاطر:29-30] ]
لما قرأ المسلم هذا [ احتقر الدنيا وازدراها واصطفى الآخرة واجتباها. ومن كان هذا حاله فكيف لا يبذل بسخاء ماله، ولِم لا يحب الخير ولا يؤثر الغير من علم أن ما يقدمه اليوم يجده غداً هو خيراً وأعظم أجراً؟]