موسوعة السيرة الشريفة ف 37 : : فاصدع بما تؤمر

  • الجُزْءُ الثَالِث: مِنْ نُزُول الوَحْي حَتَى الهِجْرَة (مَرْحَلَة الدَعْوَة المَكِيَة)

    الفصل السابع والثلاثون

    *********************************

    فاصدع بما تؤمر

    انتهت المرحلة الأولى من مراحل الدعوة الجهرية، وهي مرحلة ((وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ)) ثم كانت بعدها مباشرة المرحلة الثانية من مراحل الدعوة الجهرية، وهي قول الله تعالى ((فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ)) وهذا أمر للرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بتبليغ الرسالة لجميع قريش، وللعالم كله

    ماذا ستفعل الآن يا رسول الله وقد أمرت بتبليغ الرسالة ؟ هل ستجمع كل المؤمنين بك وتطلب منهم أن يقفوا ورائك وأنت تبلغ الرسالة الى قريش ؟ هل ستـاخذ معك ابو بكر حتى يشجعك ؟

    صعد الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وحده على أظهر مكان في مكة، وهو جبل الصفا، واختار الوقت الذي يضمن ألا يتخلف عنه أحد، ونادي بأعلى صوته "واصباحاه، واصباحاه" وكانت هذه هي عادة العرب اذا أراد أن يعلن شيئًا هامًا

    صعد الرسول صلى الله عليه وسلم - على جبل الصفا ونادي واصحباه واصحباه 

    هناك الآن للأسف من يخجل ان يتكلم في الدين، أو يخجل أن يفتح المصحف في مكان عام ويقرأ، أو يخجل أن يقول "السلام عليكم" أو أن يقول "جزاكم الله خيرًا"

    نادي الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  بأعلي صوته "واصباحاه"  ثم أخذ ينادي على بطون قريش: يا بني فهر ! يا بني عدي ! يا بني فلان ! يا بني عبد مناف ! يا بني عبد المطلب !فقال الناس: من هذا الذي يهتف ؟ قالوا: محمد بن عبد الله، وكان  الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شخصية محترمة ووقورة في المجتمع المكي، ولم يحدث أن جمع قريش من قبل على هذا النحو، فلابد حين يناديهم أنه يناديهم لأمر مهم جدًا، فاجتمعت كل قريش، واستمر الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في ندائه حتى تأكد أن كل قريش قد اجتمعت عنده، وكانت قريش في ذلك الوقت عددها بين الخمسة والعشرون الى الثلاثون الف نسمة

    فلما اجتمعوا هكذا، أراد الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يقيم عليهم الحجة، فسألهم: - أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلاً بالوادي تريد أن تغير عليكم، أكنتم مصدقي؟  

    قال الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلاً بالوادي تريد أن تغير عليكم، أكنتم مصدقي؟  

     

    يعني لو قلت لكم الآن أن هناك جيشًا بالوادي الموجود خلف جبل الصفا الذي أقف عليه الآن، هل تصدقوني في هذا الأمر الخطير جدًا والذي لا يصدقه أي انسان ؟ فأجابوه جميعًا:

    -        نعم، ما جربنا عليك كذباً، ما جربنا عليك إلا صدقاً

    فقال الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمنتهي القوة، وبأعلى صوته،وبكلمات واضحة: - فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد

    كان أول من رد على الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو عمه "أبو لهب" فقال: تباً لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا؟ تبًا لك يعنى هلاكًا لك، ولم يرد عليه الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  ولكن رد عليه الحق –سبحانه وتعالى- فقال: (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ)

    كان اول رد علي الرسول صلى الله عليه وسلم هو عمه ابو لهب

    لم يرد الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على عمه "أبو لهب" لأن الله تعالى قال ((فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين)) يعنى لا تدخل معهم في صدام  ((إنا كفيناك المستهزئين)) يعنى الله تعالى هو الذي سيرد عليهم، حتى لا تتشتت أنت وتركز في الدعوة

    *********************************

    ولذلك كان من خواطر الشعرواي –رحمه الله- في هذه السورة، يقول أن هذه الآية نزلت وأبو لهب حي، فلو كان قد أعلن اسلامه، لضرب مصداقية الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في مقتل، ولو كان القرآن من عند الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما يقول المتطاولون على الاسلام لما خاطر الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هذه المخاطرة، وهذا دليل وحده في أول الرسالة أن هذا القرآن من عند الله، الذي علم أن أن ابو لهب وزوجته سيموتان كافرين، وأن ابا لهب لن تخطر له حتى فكرة أن يذهب للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ويتظاهر بالإسلام ليفسد عليه دعوته ولو مؤقتا

    من خواطر الشعرواي –رحمه الله-:

    لو كان "أبو لهب" قد أعلن اسلامه، لضرب مصداقية الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في مقتل

    *********************************

    انصرف الناس وهم في دهشة من أمرهم، وأصبح الحديث عن الإسلام وعن دعوة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هي حديث كل أهل مكة، وتبدأ مرحلة جديدة من مراحل الدعوة وهي مرحلة الدعوة الجهرية

  • Facebook Twitter Google+


© Copyright 2015 Algazaly association powered by TD.COM.EG