أسْرَار السَيرَةِ الشَرِيفَة- منهج حياة
الجزء الثاني: من ولادة الرسول حتى مبعثه –صلى الله عليه وسلم
الفصل الثامن عشر
فترة شباب الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
مر الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بما نطلق عليه الآن "فترة المراهقة" وهي الفترة التى تنتقل بالإنسان من الطفولة إلى الرشد، وهي تشمل حوالى عشرة أعوام من عمر الانسان
ولكن كانت فترة مراهقة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما يقول العلماء الآن "مراهقة سوية"
فقد كان الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في فترة مراهقته قمة في الالتزام الخلقي، ولم يشارك أهل مكة في أي عمل من أعمال الجاهلية، فهو بالطبع لم يسجد لأي صنم، أو توجه لها بالدعاء، أو ذبح لها، ولم يستسقم بالأزلام، ولم يذق الخمر أبدًا، أو لعب الميسر، ولم يقترب من الزنا، ولم يذهب الى أي كاهن أو عراف
عصمة الله تعالى لنبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
حتى عندما هم الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بدافع الفضول، أن يشارك الشباب في سمرهم يومًا، يعنى يسهر سهرة مع شباب قريش، عصمه الله تعالى من ذلك
وقص علينا الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هذا الأمر، فيقول أنه كان يرعي الغنم، في أعلى مكة، وكان معه غلام من قريش، فقال له الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
لَوْ أَبْصَرْتَ لِي غَنَمِي حَتَّى أَدْخُلَ مَكَّةَ، فَأَسْمُرَ بِهَا كَمَا يَسْمُرُ الشَّبَابُ، فقال: أَفْعَلُ، فلما اقترب الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من أحد الأفراح، غلبه النوم، فنام في مكانه حتى أيقظته أشعة الشمس في اليوم التالي، فعاد الى غنمه
قال الرسول للغلام "لو ابصرت لي غنمي حتي ادخل مكة "
وفي الليلة التالية حدث نفس الموقف، ما ان يقترب الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من أحد الأفراح حتى يغلبه النوم فينام في مكانه، حتى توقظه أشعة الشمس في اليوم التالي
وهكذا يعصم الله تعالى الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من أن يقترب مرة واحدة من أماكن اللهو
*********************************
رغبة الرسول في الزواج من بنت عمه
ومثل أي شاب ملتزم أراد الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يتزوج وتكون له أسرة، وقد قلنا من قبل أنه كان معه في البيت بنت عمه ابي طالب "فاختة بنت ابي طالب" والتى عرفت بعد ذلك باســــم "أم هانيء"
فطلب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من عمه "أبو طالب" أن يزوجه ابنته "فاخته" وفي نفس الوقت طلبها للزواج رجل من قريش اسمه "هبيرة بن أبي وهب" وهو من "بنى مخزوم" أحد بطون قريش، فاختار "أبو طالب" أن يزوج "فاختة" الى "هبيرة" ولم يزوجها للرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فعاتب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عمه في ذلك، وقال:
- يا عم ! زوجت هبيرة وتركتني!
فقال له أبو طالب: يا بن أخي ! إنا صاهرنا إليهم، والكريم يكافئ الكريم
يعنى هناك من رجال بنى هاشم من تزوج من بنات بنى مخزوم، هذا معنى "أنا صاهرنا اليهم" فليس من مكارم الأخلاق بعد ذلك أن نرفض أن نزوجهم أحد بناتنا
بمعنى: كما أعطونا بناتهم، نعطيهم بناتنا
وكان من تقاليد العرب أن المصاهرة عندهم بابًا من أبواب التقريب بين البطون المختلفة
فاقتنع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأغلق هذا الموضوع تمامًا
*********************************
درس رائع مستفاد من هذه القصة
ولما في هذا الموقف وقفة:
أولًا: أن الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عندما وجد عمه قد اختار "هبيرة" لم يكتم هذا الأمر في نفسه، بل ذهب على الفور الى عمه، وتحدث اليه بأدب ومودة وقال:
- يا عم ! زوجت هبيرة وتركتني!
لذلك عندما يسوئك أي تصرف من صديق أو قريب أو جار أو زميل في العمل، لو كتمت هذا الأمر في نفسك سيكبر بداخلك، ولكن لو ذهبت اليه وتحدثت اليه بمودة وأدب فسينتهي الأمر
ثانيًا: أن أبو طالب وضح السبب للرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فاقتنع الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأغلق هذا الموضوع تمامًا
ومشكلة كثير جدًا من الشباب، وخصوصًا في سن المراهقة، عندما يريد أن يتزوج من فتاة، أو فتاة تريد أن تتزوج من شاب، ولا يتم الأمر، تظلم الحياة، وتكون نهاية الدنيا لهذا الشاب أو تلك الفتاة
وتقول له: يا بنى يعنى اللى خلقها ما خلقش غيرها، فيرد بعند ويقول: أيوه اللي خلقها ما خلقش غيرها
لا نقول أن الحب في حد ذاته حرام، ولكن الحرام أن تجعل الحب يدمر حياتك
تعلم من نبيك -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عندما أن أراد أن يتزوج بنت عمه، ثم اختار عمه أن يزوجها لرجل آخر لاعتبارات خاصة بالعادات والتقاليد، قلب الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الصفحة على الفور، ولم ينظر خلفه وانما نظر أمامه