ما حكم الشريعة في النذر ؟

  •  
    الى حضرتك ايتها السّائلة بيانا في موضوع النّذر يشتمل على أنواعه وأحكامه الأساسية ينفعك وينفع غيرك من القرّاء إن شاء الله تعالى : 
    النذر هو أن توجب على نفسك أمر فِي طَاعَةِ اللَّهِ.
    وأصل كلمة النذر من التخويف، أنذر فلان يعنى خوفه، فسمي النذر بذلك لأن الإنسان عندما ينذر فهو يلزم نفسه خوفًا من التقصير في أمر مهم.
    وحكم النذر أنه واجب، يقول تعالى (وليوفوا نذورهم) والأمر للوجوب.
    ويقول النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "من نذر أن يطيع الله فليطعه" رواه البخاري.
    يعنى من نذر مثلًا أن يصوم ثلاثة ايام تطوعًا، تحول هذا الصيام التطوع من أمر مندوب الى فرض يعاقب تاركه.
    والنذر من أحكامه أنه لا ينعقد بمجرد النية فقط، أو بحديث النفس، بل لا بد من التلفظ بنية النذر، اما بلفظ النذر، أو بصيغة تشعر بالالتزام
    ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
    هناك نقطة هامة:
    جاء ذكر النذر في كتاب الله تعالى في مقام المدح، يقول تعالي عن عباده المؤمنين: (إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا، عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا، يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا الدهر) فجعل الله تعالى الوفاء بالنذر من أسباب دخول الجنة
    ومع ذلك ورد عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أحاديث عديدة في النهي عن النذر، روي مسلم من حديث أبو هريرة قال: قال رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
    "لا تَنْذروا، فإن النذر لا يغني من القدر شيئا، وإنما يستخرج به من البخيل"
    فكيف يمدح الله تعالى النذر، وينهي الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن النذر ؟
    نقول أن النذر الذي نهي عنه الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو الذي يعلق النذر على حصول شيء، فاذا لم يحصل هذا الشيء لم يقم بالطاعة، وهذا يطلق عليه العلماء "النذر المعلق"
    وهذا منهي عنه لأن فيه اشتراط على الله تعالى، كأنك تشترط على الله حدوث شيء معين حتى تطيعه.
    وقد بين الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن هذا النذر من فعل البخلاء، فقال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "وإنما يستخرج به من البخيل" لأن البخيل هو الذي لا يخرج من ماله شيئا إلا بمقابل.
    وقد بين الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن هذا النذر المعلق لا يغني من القدر شيئا، يعنى الله تعالى اذا حقق لك ما تريد فليس ذلك من أجل ما نذرته. 
    وفي حديث آخر يقول الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "إنه لا يأتي بخير" يعنى ليس هذا النذر هو الذي سيأتي لك بالخير.
    ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
    أما النذر الممدوح من الله تعالى، فهو النذر المطلق، الغير معلق على حدوث شيء. 
    كمن ينذر أن يعتمر أو يذبح أو يصوم أو فعل أي طاعة دون أن يعلق فعل هذه الطاعة على حدوث شيء معين.
    وهذا مشروع، بل وممدوح، وسماهم الله تعالى: أبرارًا (إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا، عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا، يوفون بالنذر...) الآية
    وهناك نذر فيه معصية لله تعالى، وهذا لا يجوز الوفاء به.
    وهناك نذر في أمر مباح، لا هو طاعة ولا معصية
    اذن النذر أربعة أنواع:
    1- النذر المعلق، وهو أن تعلق النذر على حدوث شيء، فاذا لم يحدث هذا الشيء لم تقم بالطاعة، وهذا نهي الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما ذكرنا، وقال العلماء أنه مكروه، وقال البعض بتحريمه.
    2- النذر المطلق، وهو غير معلق على حدوث شيء، وهذا مشروع، وممدوح، وسماهم الله تعالى: أبرارًا
    والوفاء بهذا النذر -سواء المطلق أو المعلق- واجب، ويجب الوفاء به، وينقل الطاعة المندوبة من خانة "الطاعة المندوبة" الى خانة الفرض.
    3- نذر المعصية : وهو كل نذر فيه معصية لله تعالى، وهذا لا يجب الوفاء به، ويحرم الوفاء به، يقول الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه"
    4- النذر المباح: وهو ما ليس طاعة ولا معصية، وجمهور العلماء على أنه لا يلزم الوفاء به.
    فيجب على المسلم أن يتجنب النذر المعلق، لأنه –كما ذكرنا- لا يغير من قدر الله شيئًا، ونهى عنه النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
    ماذا يفعل من نذر نذرًا معلقًا ؟ نقول عليك بالوفاء بالنذر سواء تحقق الشيء الذي نذرت من أجله أم لم يحدث.
    بالرغم من أن الفتوي أنه لا يجب الوفاء بالنذر اذا لم يحدث الشيء، يعنى ليس حرامًا، وليس عليك شيء اذا لم تفي بالنذر.
    ولكن حتى تخرج من كراهة النذر المعلق أو من الحرمة أو من نهي الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأنت تفي بالنذر، أو تنوي الوفاء بالنذر سواء حدث الشيء أم لم يحدث.
    ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
    هناك سؤال يتكرر كثيرًا، يقول أنا نذرت نذر ولم استطع الوفاء به، نقول أنه كفارته كفارة اليمين، لحديث الرسول-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  "من نذر نذرا لا يطيقه فكفارته كفارة يمين، ومن نذر نذرا أطاقه فليف به" رواه أبو داوود وابن ماجه
    عن "عقبة بن عامر" أنه ذهب الى الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقال له: يا رسول الله نذرَت أختي أن تمشي إلى بيت الله حافية، وطلبت منى أن أستفتيك، فقال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  "لتَمْشِ وَلْتَرْكَبْ وَتُكَفِّرْ يَمِينَهَا"
    وكذلك من نذر نذرًا في معصية، فانه يلزمه   -كذلك-  كفارة اليمين
    وكفارة اليمين هي اطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام، والأحوط أن تكون متتابعة.
    ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
    هناك سؤال عن النذر في الأمور المباحة
    مثل سؤال ورد من سائلة تقول أنها نذرت ألا تأكل الا وجبتين في اليوم، وأنا طالبة وأعود مشيًا على الأقدام واجوع جوعًا شديدًا، نقول أن هذا نذر ليس في طاعة، ولكنه نذر مباح.
    أو سائل يقول نذر ان حصل ابنه على درجات معينة في الدراسة أن يقبل راسه وقدميه، وحصل ابنه على هذه الدرجة، فقبل راسه، ورفض الابن أن يقبل قدميه، نقول هذا نذر في أمر مباح، وليس نذر في طاعة.
    سائلة تقوم نذرت ان رزقنى الله بمولودة أن اسميها "أمنة" ثم غيرت راي، نقول هذا أمر مباح ان شئت سمتيها "أمنة" وان شئت، لا تسميها آمنة. 
    هل هذا النذر في الأمور المباحة عليه كفارة ؟
    هناك رأيين: الرأي الأول وهو رأي الجمهور أنه لا شيء عليه، يعنى هو مخير بين الوفاء بنذره وبين عدم الوفاء به، واذا لم يف بنذره فلا يلزمه شيء.
    وهناك راي آخر وهو رأي الحنابلة، بأنه اذا لم يفي بنذره، أو يكون عليه كفارة اليمين.
    يعنى هنا لا نقول كما في نذر الطاعة: يجب عليك الوفاء بالنذر، فان لم تستطع أو كان فيه مشقة وعنت فعليك الكفارة.
    وانما نقول أنت مخير بين الوفاء، وبين الكفارة.
    .
  • Facebook Twitter Google+


© Copyright 2015 Algazaly association powered by TD.COM.EG