الفصل الثاني
الجزيرة العربية وقت مولد وبعثة النبي –صلى الله عليه وسلم-
الجزيرة العربية قبل الرسول سياسيًا
كانت الجزيرة العربية –سياسيًا- مجموعة من القبائل، والقبيلة هي مجموعة من الناس الذين يرتبطون مع بعضهم بوحدة النسب، وكل قبيلة لها زعيم
وكان القتال بين هذه القبائل منتشرًا جدًا، والقوي يأكل الضعيف، وكان هذا القتال يحدث لأسباب واهية، وقد يستمر لسنوات طويلة، مثل حرب "البسوس" والتى استمرت أربعين سنة بسبب قتل ناقة، وحرب "داحس والغبراء" و"داحس" و"الغبراء" اسم فرسين سبقت احداهما الأخري فقامت حرب طاحنة بين قبيلتي عبس وذبيان، وهناك "حرب الفجار" والتى استمرت أربعة سنوات، وهكذا
وقد تكون اغارات القبائل على بعضها للإستيلاء على ممتلكات هذه القبيلة، فكانت كل قبيلة لا تأمن أن تنقض عليها قبيلة أخري في أي ساعة من ليل أو نهار، فيقتلون رجالها، ويسبون نسائها ويخطفون أطفالها ويباعوا رقيقًا، وينهبون القبيلة بالكامل، ويتركون ديارها خاوية تمامًا
لذلك العرب كانوا يعيشون في خوف مستمر وعدم أمان، باستثناء قبيلة "قريش" لأنها كانت القبيلة التى تعيش عند الحرم، وهي المسئولة عنه، فلا تستطيع أي قبيلة أن تهاجم الحرم، ولا تستطيع أي قبيلة أن تتعرض لتجارة قريش الذاهبة شمالًا الى الشام في الصيف، أو جنوبًا الى اليمن في الشتاء، لأنها هذه القبيلة ستأتي الى قريش في ديارها اذا أرادت الحج
ولذلك امتن الله تعالى على قريش بنعمة الأمان التى لم تكن موجودة في أي مكان في الجزيرة الا في مكة فقط، يقول تعالى ((أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلهم))
وهكذا قل شأن العرب جدًا سياسيًا، وأصبحوا يعيشون على هامش التاريخ، ولا يتعدون في أحسن الأحوال إلا أن يكونوا تابعين للدولة الفارسية او الرومانية
صورة تخيلية لجيوش القبائل العربية
الجزيرة العربية قبل الرسول دينيًا
أما دينيًا فقد كان العرب قديمًا على ديانة ابراهيم –على نبينا وعليه الصلاة والسلام- ثم أصابها التحريف الشديد، وعبد العرب الأصنام، وكل قبيلة لها الأصنام الخاصة بها، حتى أن قريش وضعت فوق الكعبة 360 صنمًا بعدد قبائل الجزيرة العربية، وذلك ارضاءًا لتلك القبائل، حتى تؤمن قريش طرق تجارتها في الجزيرة
روي البخاري في صحيحه عن أبي رجاء العُطاردي قال: كنا نعبد الحجر، فاذا وجدنا حجرًا آخر هو أخير منه ألقيناه وأخذنا الآخر، فاذا لم نجد حجرًا جمعنا جُثوة من تراب –يعنى كومة من تراب- ثم جئنا بالشاة فحلبناه عليه ثم طفنا به (!)
ورغم هذا كان هناك عدد قليل جدًا جدًا من الحنفاء الذين يرفضون عبادة الأصنام، وكان منهم "زيد بن عمرو بن نفيل"
وهناك بعض العرب قد تنصر، وذلك عن طريق الرهبان الذين عاشوا في الجزيرة، ومن هؤلاء "ورقة بن نوفل" والذي كان أول من آمن بالرسول –صلى الله عليه وسلم- وكان هناك أيضًا جالية يهودية، ولكن أغلبية العرب كانوا وثنيين يعبدون الأصنام
صورة حقيقية لاصنام الجزيرة العربية
الجزيرة العربية قبل الرسول اجتماعيًا
واجتماعيًا فقد هيمنت بعض التقاليد والأعراف على حياة العرب، مثل التفاخر الذي لا حد له بالأنساب والأحساب
وكان عند العرب أنواع كثيرة من الزواج:
من ذلك: زواج الشغار، وهو أن يزوج الرجل ابنته الى آخر، على أن يزوجه هذا الآخر ابنته، ولا يكون بينهما صداق، يعنى لا آخذ منك مهر، ولا تأخذ أنت منى مهر
وهناك زواج المتعة: وهو الزواج المحدد بوقت معين
وهناك زواج البدل: أي يتبادون الزوجات، فكان الرجل في الجاهلية اذا أعجبته زوجة رجل آخر، يقول له: أنزل لي على امرأتك، وأنزل لك عن امرأتي وأزيدك
وهناك نكاح الاستبضاع: وهو أن يقول الرجل لزوجته اذا طهرت من الحيض، اذهبي الى فلان فاستبضعي منه، ويعتزلها زوجها ولا يقربها أبدًا، حتى تحمل من هذا الرجل الآخر لأنه رجل ذو نجابة، فيكون الولد كذلك نجيبًا !
وهناك زواج أكثر غرابة، هو أن يجتمع مجموعة من الرجال، ويعاشرون امرأة واحدة، فاذا حملت تختار من هؤلاء الرجل أبًا لإبنها وتنسب الابن الى أحبهم اليها
وكان هناك –ولا شك- زواج مثل الزواج الذي أقره الإسلام بعد ذلك
وكان من أعرافهم أيضًا: اذا كانت هناك علاقة بين رجل وامرأة فليس فيه مشكلة طالما كان في السر، فاذا ظهر فهو عيب، فكانوا يقولون: ما استتر فلا بأس به، وما ظهر فهو لوم، وهو ما أطلقواعليه في أعرافهم "الخدن" ولذلك ينكر تعالى هذا الأمر فيقول تعالى ((وَلَا مُتّخذَاتٍ أَخْدَان))
وكانوا يحلون الجمع بين الأختين في الزواج، ويحلون زواج زوجة الأب، وكانوا يبيحون تعدد الزوجات دون التقيد بعدد، ويمارسون الطلاق أيضًا بغير عدد محدود
وكانت المرأة ليس لها حق قي الميراث، بل ليس لها الحق في التملك، بل ان كل أموالها حق لزوجها
أما أسوأ شيء فهو أنتشار عادة وأد البنات، فكان كثير من العرب اذا ولدت زوجاتهن انثى، يدفنون بناتهن وهن أحياء
يقول تعالى فى سورة النحل {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ}
أما الحالة الخلقية فكانت قد ساءت تمامًا، فانتشر شرب الخمر، ولعب القمار، واغتصاب الأموال، والسرقة، والتعامل بالربا
صورة حقيقية لبدو الجزيرة العربية
الصفات الطيبة للعرب
ومع ذلك فقد تميز العرب ببعض الصفات الطيبة جدًا، مثل السخاء مثلًا، فقد كان الواحد منهم لا يكون عنده الا ناقته فيأتيه الضيف فيسارع الى ذبحها له، وكان بعض العرب لا يكتفي باطعام الانسان بل يطعم أيضًا الوحوش والطيور، وهناك قصص عديدة عن كرم بعض العرب مثل "حاتم الطائي"
وكان العرب أهل شهامة ومرؤة، فكانوا يأبون أن ينتهز القوي الضعيف أو المرأة أو الشيخ
كانوا أيضًا أهل شجاعة، ويتمادحون بالموت قتلًا، ويتهاجون بالموت على الفراش، أي اذا أراد أحدًا أن يذم آخر، فانه يذمه بأنه مات على فراشه ولم يمت قتلُا
ولذلك قال أحدهم لما بلغه قتل أخيه: ان يقتل فقد قتل أبوه وأخوه وعمه، إنا والله لا نموت حتفًا، ولكن قطعًا بأطراف الرماح، وموتًا تحت ظلال السيوف
العربي كذلك كان يتميز بقوة البدن كما كان يتميز بالصبر والقدرة على تحمل الشدائد، وربما اكتسبوا هذا من بيئتهم الصحراوية الشديدة القاسية، فربما كان أحدهم يسير الأيام مكتفيًا بتمرات قليلة يقيم بها صلبه، وقطرات من الماء
لذلك وبرغم ما كان في المجتمع العربي من مساويء كثيرة ولكن كانت فيهم صفات من الخير أخري كثيرة، جعلتهم أفضل المجتمعات في ذلك الوقت، وأهلتهم لحمل راية الاسلام
************
هكذا ينتهي حديثنا عن العالم وقت مولد وبعثة النبي –صلى الله عليه وسلم- وهو كما قدمنا عالم مرعب، وعالم غارق في الانحلال والظلم والجهل
وقد ذهب كثير من المؤرخون على أن القرن السادس الميلادي هو أظلم فترة في تاريخ العالم
فكان مولد وبعثة النبي –صلى الله عليه وسلم- هو الفجر الذي يأتي بعد بلوغ الليل لذروة ظلامه
تغير العالم تمامًا بعد بعثة النبي –صلى الله عليه وسلم- ولذلك الكتاب الشهير "العظماء مائة وأعظمهم محمد" منهجه في ترتيب العظماء هو الأكثر تأثيرًا في البشرية، وقد كان الرسول –صلى الله عليه وسلم- هو الأعظم تأثيرًا في تاريخ البشرية
تغير العالم تمامًا بعد بعثة النبي –صلى الله عليه وسلم- الجزيرة العربية تغيرت، وأسيا، وأوروبا، حتى الأمريكيتين واستراليا تغيروا بعد ذلك
كان العالم قبل بعثة النبي –صلى الله عليه وسلم- في حال، وبعد بعثته–صلى الله عليه وسلم- في حال آخر، وصدق تعالى في كتابه العظيم ((وما أرسلناك الا رحمة للعالمين((