المسلم الحق يتواضع، ولكن تواضعه ليس في ذل ومهانة، بل في عز وكرامة [ والتواضع من أخلاقه المثالية ] فالتواضع من أخلاق المسلم العالية التي يضرب به المثل [ وصفاته العالية، كما أن الكبر ليس له، ولا ينبغي لمثله ] أبداً، فالكبر لا يكون للمسلم، ولا ينبغي له، فالكبرياء لله، ولا يقدر أحد أن ينازع الله في كبريائه [ إذ المسلم يتواضع ليرتفع ] ومن ارتفع ولم يتواضع ذل وهان وهوى، هذه سنة الله في الخلق [ ولا يتكبر لئلا يخفض؛ إذ سنة الله جارية في رفع المتواضعين له، ووضع المتكبرين ] فسنة الله جارية وماضية في رفع المتواضعين له، ووضع المتكبرين في أسفل الدركات [ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ] ولنحفظ هذا الحديث [ ( ما نقصت صدقة من مال ) ] سواء كان صامتاً أو ناطقاً، فلما تأخذ من هذا المال صدقة لا ينقص، ولا تنقص منه الصدقة [ ( وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً ) ] وما زاد الله عبداً من عباده بعفو عفاه إلا عزاً [ ( وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله ) ] فالتواضع يرفع صاحبه، والكبر يهبط بصاحبه. فقولوا: آمنا بالله وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، ( وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً ). فكل عبد يعفو لوجه الله يعتز ويعلو شأنه. ( وما تواضع أحد لله إلا رفعه ). فما تواضع إنسان لله إلا رفعه الله، وهذا هو الترغيب في هذا الخلق التواضع، جعلنا الله وإياكم من أهله [ وقال ] صلى الله عليه وسلم: [ ( حق على الله أن لا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه ) ] وهبط به [ وقال صلى الله عليه وسلم: ( يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الدجال، يغشاهم الذل من كل مكان، يساقون إلى سجن في جهنم يقال له: بولس ) ] وبولس اليهودي هو الذي غير المسيحية وغيرها إلى شرك ووثنية. والمتكبرون خلاف المتواضعين وعكسهم [ ( تعلوه نار الأنيار، يسقون من عصارة أهل النار طينة الخبال ) ] هذا جزاء المتكبرين، حتى ولو كانوا متكبرين على أزواجهم وأولادهم، ولو على الكافرين والمشركين، فالمؤمن لا يتكبر؛ إذ الكبرياء لله، وصفة المؤمنين التواضع والعفو [ والمسلم عندما يصغي بأذنه وقلبه إلى مثل هذه الأخبار الصادقة من كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم في الثناء على المتواضعين مرة، وفي ذم المتكبرين أخرى، وطوراً في الأمر بالتواضع، وآخر في النهي عن الكبر، كيف لا يتواضع ولا يكون التواضع خلقاً من خلقه؟ وكيف لا يتجنب الكبر ولا يمقت المتكبرين؟ ] أما الذي ما سمع عن الله ولا عن رسوله فلا تدري كيف تؤدبه، وهو لن يصبح متواضعاً أو غير متكبراً، فالذين ما سمعوا عن الله ولا عن رسوله ذم الكبر والتنديد بأهله يتكبرون؛ لأنه لا يمكن لشخص أن يتواضع بدون علم أن الله يحب التواضع، ولا يمكن لشخص أن يتكبر بعد أن يعرف أن الله يمقت المتكبرين، ولهذا طلب العلم فريضة، والاجتماع على كتاب الله وسنة رسوله فريضة؛ لأنه لا يمكن للمؤمن أن يستقيم على منهج الحق وهو ما عرف هذا المنهج، إذ كيف يسلك الطريق وما عرفها؟
الأمر بالتواضع والنهي عن التكبر
[ قال الله تعالى في أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بالتواضع ] فالله يأمر رسوله أن يتواضع [ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الشعراء:215] ] وأي جناح عند الرسول، وإنما تواضع ولا تتكبر، واخفض جناحك للمؤمنين، وأما الكافرين فلا يذل لهم ويتواضع [ وقال له: وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا [الإسراء:37] ] والمرح مشية الاختيال والفخر والكبر، بل امش مشية المتواضعين المساكين، وهذا الأمر لرسول الله، فكيف بنا نحن؟ [ وقال في الثناء على أوليائه بوصف التواضع فيهم: يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ [المائدة:54] ]